( الصفحة 332 )
وممّا ذكرنا ظهر حكم صوم التطوّع للولد بدون إذن الوالد ; فإنّ الظاهر الاختصاص بصورة تحقّق الإيذاء المستلزمة للعقوق ، من دون فرق بين الوالد والوالدة ، ومن دون فرق بين أن يكون الولد في الرتبة الدانية أو عدمه ، كما لا فرق في الوالدين بين الطبقة الأُولى والثانية وما بعدها .
وأمّا ما أفاده في الذيل من أنّ الأولى ترك صوم يوم عرفة لمن يُضعفه الصوم عن الدعاء الذي كان بصدد الإتيان بها ، كما أنّ الأولى ترك صومه مع احتمال كونه عيداً محرّماً فيه الصوم كما سيأتي ، وذكر عقيبهما : «وأمّا الكراهة بالمعنى المصطلح حتى في العبادات فيهما فالظاهر عدمها ».
والظاهر أنّ المراد به أنّ الإتيان بالصوم في اليومين المذكورين لا يرجع إلى الكراهة المصطلحة ; بمعنى ثبوت الرجحان بالإضافة إلى الترك ، كما أنّه لا يرجع إلى الكراهة في العبادات بمعنى قلّة الثواب ، بل مرجع أولويّة الترك إلى أهميّة الدعاء في يوم عرفة ، ورعاية عدم تحقّق الصوم في يوم العيد المحرّم وإن كان مقتضى الاستصحاب الجواز ; نظراً إلى استصحاب عدم تحقّق العيد ، كما أنّ الظاهر أنّه لو اختار الصوم بدلا عن الدعاء مع إرادة الاشتغال بها وحصول الضعف له، لا يكون صومه ذات حزازة أصلا .
( الصفحة 333 )
وأمّا المحظور
فصوم يومي العيدين ، وصوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة أنّه من رمضان ، وصوم أيّام التشريق لمن كان بمنى ناسكاً كان أو لا ، والصوم وفاءً بنذر المعصية ، وصوم السكوت ; بمعنى كونه كذلك منويّاً ولو في بعض اليوم. ولابأس بالسكوت إذا لم يكن منويّاً ولو كان في تمام اليوم . وصوم الوصال ، والأقوى كونه أعمّ من نيّة صوم يوم وليلة إلى السحر ويومين مع ليلة ، ولا بأس بتأخير الإفطار إلى السحر، وإلى الليلة الثانية مع عدم النيّة بعنوان الصوم وإن كان الأحوط اجتنابه . كما أنّ الأحوط ترك الزوجة الصوم تطوّعاً بدون إذن الزوج ، بل لا تترك الاحتياط مع المزاحمة لحقّه ، بل مع نهيه مطلقاً 1 .
1ـ الصوم المحظور على أنواع :
الأوّل : صوم يومي العيدين ; فإنّه لا خلاف ولا إشكال في حرمته(1) حرمة تشريعيّة ، كالصلاة والصوم للمرأة الحائض ; فإنّه لا يجوز الإتيان بواحد منهما
- (1) المعتبر 2 : 712 ، رياض المسائل 5 : 469 ، مستند الشيعة 10 : 507، جواهر الكلام 17 : 121 ، مستمسك العروة 8 : 399 ، المستند في شرح العروة 22 : 326 .
( الصفحة 334 )
بقصد الأمر ، وقد دلّت عليه النصوص المستفيضة(1) ، بل من الأُمور المسلّمة عند المتشرّعة . والمشهور(2) إطلاق القول بذلك ، خلافاً لما عن الصدوق والشيخ وابن حمزة(3) من الجواز في كفّارة القتل في أشهر الحرم ، لكنّ الظاهر هو القول المشهور ، وقد ذكر السيّد (قدس سره) في العروة أنّ القول بجوازه للقاتل شاذّ ، والرواية(4)الدالّة عليه ضعيفة سنداً ودلالة (5).
الثاني : صوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة أنّه من رمضان ، والوجه في ذلك أنّه مع اقتضاء الاستصحاب عدم دخول رمضان وبقاء شعبان، لا يكون متعلّقاً للأمر الوجوبي وإن كان في الواقع من رمضان ، فصوم يوم الشكّ كذلك بنيّة أنّه من رمضان تشريع محرّم .
الثالث : صوم أيّام التشريق لمن كان بمنى ، ناسكاً كان أو لا ، وتدلّ عليه جملة من الروايات :
منها : موثّقة زياد بن أبي الحلال قال : قال لنا أبو عبدالله (عليه السلام) : لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيّام ، إنّها أيّام أكل وشرب(6) ، ونحوها
- (1) وسائل الشيعة 10 : 513 ـ 516، كتاب الصوم، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 1 .
(2) المختصر النافع: 135، مختلف الشيعة 3: 376 مسألة 106، الحدائق الناضرة 13: 388، رياض المسائل 5:471.
(3) النهاية : 166 ، الوسيلة : 148 ، ولم نجده في كتب الصدوق عاجلاً .
(4) وسائل الشيعة 10 : 380 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 8 ح 1 و 2 .
(5) العروة الوثقى 2 : 67 .
(6) الكافي 4 : 148 ح 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 330 ح 1031 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 518 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 2 ح 9 و ص 519 ب 3 ح 1 .
( الصفحة 335 )
غيرها(1) ، وهي وإن كانت مطلقة من جهة عدم التخصيص بمن كان بمنى ، إلاّ أنّ هنا روايات تدلّ على الاختصاص ، مثل :
صحيحة أبي أيّوب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : يصوم ذا الحجّة كلّه إلاّ أيّام التشريق... الحديث(2) .
وصحيحة معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صيام أيّام التشريق ؟ فقال : أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا(3) .
وموثّقة عمّار بن موسى الساباطي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الأضحى بمنى ؟ فقال: أربعة أيّام(4) . ومن الواضح أنّ كونها أربعة لا يرجع إلى حرمة الصوم ، وإلاّ فأفعال الحجّ قسم منها يختصّ بيوم العيد ، وقسم منها مشترك بين العيد والاثنين بعده ، فالمراد هو الصوم .
ثمّ إنّ قوله (عليه السلام) في موثّقة زياد بن أبي الحلال : «ولا بعد الفطر ثلاثة أيّام» وإن لم يقع الفتوى به ولابدّ من حمله على الكراهة ، إلاّ أنّ وحدة السياق مع قيام الروايات المتكثّرة على المنع في المقام لا تقتضي الحكم بالكراهة فيه .
ثمّ إنّ الظاهر ـ كما أفاده في المتن ـ إطلاق الحكم لمن كان بمنى بالنسبة إلى الناسك وغيره ، فلا وجه لتوهّم الفرق بينهما .
- (1) وسائل الشيعة 10 : 519 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 3 .
(2) الكافي 4 : 138 ح 4 ، تهذيب الأحكام 4 : 329 ح 1027 ، الفقيه 2 : 97 ح 438 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 373 ، كتاب الصوم ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب 3 ح 8 .
(3) تهذيب الأحكام 4 : 297 ح 897 ، الاستبصار 2 : 132 ح 429 ، المقنع : 284 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 516 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 2 ح 1 .
(4) الفقيه 2 : 291 ح 1439 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 517 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 2 ح 4 .
( الصفحة 336 )
الرابع : الصوم وفاءً بنذر المعصية ، والسرّ فيه : أنّ نذر المعصية حيث لا يكاد ينعقد ; لاعتبار الرجحان في متعلّق النذر ، ومن المحقّق أنّ عنوان الوفاء بالنذر عنوان قصديّ ; لا يكاد يتحقّق من دون قصد الوفاء ، ينتج أنّ الصوم بهذا القصد لايكون واجداً لمزيّة ، فلا يكاد يشرع الإتيان به لحصول التشريع ، ونحن وإن حقّقنا جواز اجتماع الأمر والنهي ، بل وصحّة المجمع إذا كان عبادة ، كالصلاة في الدار المغصوبة (1) ، إلاّ أنّ ذلك فيما إذا تعلّق القصد بعنوان الصلاة فقط ، وفي المقام أيضاً نقول بالصحّة مع تعلّق القصد بعنوان الصوم ، وأمّا الصوم بعنوان الوفاء فلا .
وقال السيّد في العروة : ويلحق به ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها(2) . ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الصدوق بإسناده عن الزهري ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث قال : وصوم نذر المعصية حرام(3) .
وبإسناده عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) ـ في وصيّة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ـ قال : وصوم نذر المعصية حرام(4) ، وغير ذلك من الروايات .
الخامس : صوم السكوت ; بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه ، والسرّ فيه : أنّ الأُمور التي يجب
- (1) وسائل الشيعة 5 : 119 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ب 2 .
(2) العروة الوثقى 2: 68 ، الرابع .
(3) الفقيه 2 : 47 قطعة من ح 208 ، المقنعة : 366 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 513 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب 1 ح 1 .
(4) الفقيه 4 : 266 قطعة من ح 821 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 525 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 6 ح 2 .